چاويار نيوز – كتب الناقد السينمائي المصري ومدير تحرير صحيفة الأهرام سيد محمود في مقال يوم الثلاثاء: هو كبير المفكرين، وصاحب “العبقريات”، الأديب الكبير عباس محمود العقاد، أديب صاحب الألقاب المتعددة، صحفي وشاعر وباحث وعالم. وُلد في أسوان، جنوب مصر، عام 1889م، وهو عضو سابق في مجلس النواب المصري، وعضو في مجمع اللغة العربية، وأضاف للمكتبة العربية أكثر من مائة كتاب في مختلف المجالات.
ينتمي العقاد من جهة والدته إلى أصول كوردية، وهو أمر لم يكن شائعًا في بيئات الجنوب المصري آنذاك. وقد ورث عنها – كما يقول البعض من دارسيه – طبعًا قويًا، واعتدادًا بالنفس، وحسًا فطريًا بالجمال والحرية. كانت والدته محبة للغة العربية وتحفظ الشعر، وقد حرصت على أن يكون ابنها الوحيد محاطًا بالكتب ومحفزًا على التعلم، رغم محدودية موارد الأسرة.
كتب الأديب الكبير عباس محمود العقاد كثيرًا عن أمه الكوردية، ومما كتب قال: لقد كانت أسرة “أمي” من أبويها جميعًا كوردية قريبة عهد بالقدوم من ديار بكر، وقد رأيت أحدهم لا تميزه عن أمم الشمال في لونه وقامته، وقد بقى بعض منهم إلى أيام طفولتنا نُعَاكِسُه حين ندعوه إلى أكلة “ملوحة” أو ملوخية، لأنهم لم يتعودوا أكلها. أجداد أمي جميعًا قد تزوجوا في السودان، وكان جدها لأبيها وجدها لأمها في الفرقة الكوردية التي توجهت إلى السودان بعد حادثة إسماعيل بن محمد علي الكبير، وهناك عاش عمر آغا الشريف قبل قدومه إلى أسوان، وهو جد أمي لأبيها، وأبوها محمد آغا الشريف الذي اختار “أطيانًا” للمعاش في قرية من قرى الإقليم.
والذي يتذاكره كبراء السن الأسوانيون عن عمر آغا الشريف، أنه كان رجلًا شديد التقوى، شديد القوة البدنية، يدرب أبناءه على الرياضة العسكرية كأنهم على الدوام في خدمة الميدان”.
ما زالت كتاباته تُدرّس في جميع المدارس والجامعات، بل وفي دول كثيرة، فهو صاحب “العبقريات”، وتُرجمت بعض كتبه إلى لغات أخرى، فترجم كتابه المعروف “الله” إلى الفارسية، ونُقلت “عبقرية محمد” و”عبقرية الإمام علي”، و”أبو الشهداء” إلى الفارسية، والأردية، والملاوية، كما تُرجمت بعض كتبه إلى الألمانية والفرنسية والروسية.
وأطلقت كلية اللغة العربية بالأزهر اسم العقاد على إحدى قاعات محاضراتها، وسُمي باسمه أحد أشهر شوارع القاهرة، وهو شارع عباس العقاد الذي يقع في مدينة نصر. كما أُنتج مسلسل بعنوان “العملاق” يحكي قصة حياة العقاد، وكان من بطولة محمود مرسي.
منحه الرئيس المصري جمال عبد الناصر جائزة الدولة التقديرية في الآداب، وتسلمها العقاد ولم يرفضها كما يتردد، لكنه رفض الدكتوراه الفخرية من جامعة القاهرة.
العقاد لم يُكمل تعليمه النظامي، إذ توقف عند المرحلة الابتدائية، إلا أن هذه “العثرة” لم توقفه، بل كانت حافزًا له ليخوض مسيرة تكوين ذاتي استثنائية. تعلم الإنجليزية والفرنسية بمجهوده الشخصي، وقرأ في الفلسفة، وعلم النفس، والتاريخ، والأدب، والديانات، والسياسة، حتى غدا موسوعيًا بحق.
عمل في بداياته موظفًا في السكك الحديدية، ثم في الصحافة، حيث لمع نجمه ككاتب مقالات سياسية وأدبية، تميزت بالعمق والحدة.
ترك العقاد إرثًا هائلًا من المؤلفات تجاوزت مئة كتاب، تنوعت بين النقد الأدبي، والفكر، والدين، والسير الذاتية، أبرزها سلسلة “العبقريات” التي تناول فيها سيرة شخصيات مثل: “عبقرية محمد”، “عبقرية عمر”، “عبقرية الصديق”، و”عبقرية خالد”.
كما كان أحد أركان “مدرسة الديوان” في الشعر، إلى جانب إبراهيم عبد القادر المازني وعبد الرحمن شكري، وهي المدرسة التي دعت إلى التجديد الشعري ونقد الجمود التقليدي.
وكان العقاد سياسيًا أيضًا، وقد دخل البرلمان نائبًا عن أسوان، واشتهر بمواقفه الجريئة في مواجهة الاستعمار، لا سيما البريطاني. دفع ثمن مواقفه دخول السجن عام 1930 بسبب معارضته لحكومة إسماعيل صدقي، لكنه خرج أكثر صلابة وشراسة في الدفاع عن الحرية والفكر المستقل.
عُرف عن العقاد ميله إلى العزلة في سنواته الأخيرة، وكان يعتبر الكتاب أصدق أصدقائه. لم يتزوج، وكرّس حياته للفكر والكتابة. توفي في 12 مارس 1964، تاركًا وراءه إرثًا خالدًا لا يزال يحظى بالقراءة والتقدير في أوساط المثقفين العرب.
وكان دائمًا يعبر عن فخره واعتزازه بأصوله الكوردية، ويكتب دائمًا عن أمه في مدوناته، ومما كتب أيضًا:
إنها كانت أمًا عظيمة، وأنا أعني ما أقول تمامًا. فالعظمة ليست حكرًا على المشاهير من الرجال والنساء، بل إن العظمة الحقيقية هي في سمو الخصال والطبائع والمشاعر الإنسانية التي تتجلى في السلوك الإنساني والعمل المثمر، وما يتركه الإنسان من أثر بعد رحيله عن هذه الدنيا الفانية.
ورثت أمي تقواها وسلامة بنيتها من أبيها وجدها، ففتحت عيني أراها وهي تصلي وتؤدي الصلاة في مواقيتها، ولم يكن من عادة المرأة أن تصلي في شبابها، إنما كانت النساء لا يُصلين إلا عند الأربعين.
ومما ورثته عن أبويها حب الصمت والاعتكاف.. كان الناس يحسبون هذا الصمت والاعتكاف كبرياءً في جدي رحمه الله، وكانوا يقولون إنها (نفخة أتراك!
لكنها لم تكن “نفخة أتراك” كما توهموا، بل كانت طبيعة تورث وخلقة بغير تكلف، ولم أرَ في حياتي امرأة أصبر على الصمت والاعتكاف من والدتي.
فربما مضت ساعة وهي تستمع إلى جاراتها وصديقاتها وتجيبهن بالتأمين أو بالتعقيب اليسير، وربما مضت أيام وهي عاكفة على بيتها أو على حجرتها، ولا تضيق صدرًا بالعزلة وإن طالت، ولا تنشط لزيارة إلا من باب المجاملة ورد التحية.
ومن المصادفة اتفاق والدي ووالدتي في هذه الخصلة، ولست أنسى فزع أديب زارني يومًا، وعلم أنني لم أبرح الدار منذ أسبوع، فهاله الأمر كأنه سمع بخارقة من خوارق الطبيعة. إنها وراثة من أبوين، يؤكدها الزمن الذي لا يُحمد فيه معاشرة أحد… إلا من رحم الله!
وكانت الوالدة لا تنكر من شؤوني إلا الورق… نعم: ما هذا الورق؟ الورق الذي لا ينتهي!
هذا الورق الذي لا ينتهي هو الذي يمرضني، وهذا الورق الذي لا ينتهي هو الذي يصرفني عن الزواج، وهذا الورق الذي لا ينتهي هو سبب الشهرة.
وقلت لها ذات يوم: لو وجدت لي زوجة مثلك لتزوجت الساعة!
ولم أكن مجاملًا ولا مراوغًا، فإنني لا أنسى كمال تدبيرها لبيتها منذ صباها، وكنا بفضل تدبيرها هذا ننتفع بالجورب حتى بعد أن يرث ويَبلى، فإنه يصلح عندئذ كرة محبوكة… ويغنينا عن شراء الكرات التي لا تحتمل أقدامنا مثل احتمالها.
No Comment! Be the first one.