چاويار نيوز – كتب عضو المجلس القيادي ومسؤول مركز تنظيمات كرميان للاتحاد الوطني الكوردستاني سالار محمود، في مقال مساء الثلاثاء، في موقع “المسرى” الإخباري العراقي، أنه: عقب عملية تحرير العراق، دخل الكورد، بوصفه شريكاً، إلى صراع جديد رفقة جبهة الحاكمية الجديدة بالعراق بشقيها الشيعي والسني.
في كل مرحلة من مراحل تشكيل الحكومة وتداول السلطة، كانت تبرز تحديات متجددة من الصراع والتنافس بوجه الكورد. نتيجة وجود إطار دولي ومبادئ دستورية، تلك التعقيدات والفرص كانت تفرض عقبات ومعوقات لكنها لم تصل حد القطيعة. وكل مرحلة كانت تتشكل في المحصلة وفق آلية للتوافق.
لسنا بصدد الحديث عن موقف الكورد الذي كان قويا لدرجة، يتم الاتفاق معه في أربيل أو السليمانية على تشكيل الحكومة العراقية الجديدة.
إن الرئيس مام جلال نظراً للشخصية التي كان يتمتع بها ومنصبه رئيساً للجمهورية، وكذلك كاك مسعود بشخصه وموقعه في رئاسة الإقليم، لم يألوا جهداً في مصالحة البيت الشيعي فيما بينهم وإصلاح ذات البين فيما يخص الشيعة والسنة. وكل ذلك من أجل إنجاح التجربة وحماية المكتسبات الدستورية التي تحققت للكورد في العراق.
بعد عقدين ووسط هذه الظروف المستجدة، فإن المسرح السياسي في العراق وكوردستان شهد تغييراً، فلا الشخصيات السياسية في بغداد هي شخصيات الأمس التي كانت تقدر ما تمنحها جبال كوردستان من مودة وتضحية ومساعدة للمعارضة العراقية، ولا الثقة ووحدة الصف والموقف التي كانت قائمة أيام مام جلال، باقية.
هذا المسرح السياسي سواء هنا أو هناك، ينبغي النظر إليها بعين الاعتبار لا سيما في أي تعامل مع بغداد وحكوماتها. ففي السنوات المنصرمة برزت خلافات ومشاكل مختلفة بين الإقليم وبغداد، حتى وصلت معها الأمر إلى جعل قطع قوت شعب كوردستان مادة أو ورقة في تلك الصراعات.
موقع ومكانة كوردستان والتنمية الإقتصادية والإعمار فيها شهد تراجعا خطوة بخطوة، على خلاف مكانة بغداد وموقعها الذي بدأ يتصاعد ويقوى. وفُرضَ حصار على مصادر القوة في كوردستان.
ومثلما يُقال: الدولة تمسك الأرنب بعربة، فإن بغداد مضت على أرض الواقع وعلى المستويات كافة بأجندات قص أذرع الإقليم قدماً.
حيث إن الحكومة العراقية أقدمت، ولأول مرة في التاريخ، على إيقاف صرف رواتب كوردستان لثلاثة أشهر متتالية أي 90 يوماً، بناءاً على مجموعة من النقاط.
وفي خضم ذلك، برز في إقليم كوردستان طرحان، الأول تبناه الاتحاد الوطني الكوردستاني والمنادي إلى أن الحل يكمن في الاتفاق مع بغداد ولا مخرج آخر سوى الاتفاق والتوافق معها. لكون المشهد الداخلي والصراع الإقليمي وقرب الانتخابات التشريعية العراقية التي يشارك فيها الأطراف الكوردستانية كافة، لا يساعد ولا يسمح باللجوء إلى خيارات أخرى.
أما الطرح الثاني فقد تبناه الحزب الديمقراطي الكوردستاني والمتمثل بالمقاطعة والانسحاب من العملية السياسية في العراق وعدم الرضوخ لمطالب بغداد المتتالية والمتكررة. فهم كانوا يرون أن الإقليم كلما تقدم خطوة نحوهم كلما تعذروا بحجج وشروط جديدة.
ثم قرر ممثلو هذين الطرحين والقصد هنا الاتحاد الوطني والحزب الديمقراطي عقد اجتماع قمة بينهما في السابع من تموز/ يوليو 2025. وتقرر بعد بحث جميع الاحتمالات والأبعاد والتداعيات، أن يتوجه رئيس الاتحاد الوطني الكوردستاني ممثلاً عن “كوردستان” إلى بغداد ومعه صلاحية التوصل إلى اتفاق.
وبعد محادثات امتدت لثلاثة أيام، تم التوصل إلى اتفاق حول إطلاق تمويلات رواتب موظفي إقليم كوردستان، على أن يلتزم الإقليم بتنفيذ شروط ومطالب بغداد.
لقد كانت الحكومة العراقية تنوي تأخير إرسال الرواتب لما بعد عام 2025 وتشكيل الحكومة الجديدة. كانت تروم استغلال حالة عدم الإجماع في إقليم كوردستان. فأغلب الأطراف السياسية العراقية كانت مستعدة لجعل ملف قطع أرزاق شعب كوردستان وقوتهم مكسباً ووسيلة لنيل الأصوات الانتخابية والمقاعد البرلمانية. وعليه كانت تروم الاستفادة من ردة فعل الإقليم العنيفة، للوصول إلى ذلك الهدف.
غير أن توحيد طرح الاتفاق ووحدة موقف الاتحاد الوطني واالحزب الديمقراطي حيال تلك القضية أثمر عن الاتفاق والنأي بالإقليم عن المخاطر الخفية وغير المعلنة.
ها قد أرسل الراتب الأول بعد فصل من قطع الأرزاق، ومن المقرر استمرار إطلاق رواتب العام الحالي وفقاً لذات الآلية. ما لم يحدث طارئ او يطرأ مستجد.
والسؤال هنا هو: ماذا بعد ذلك، وما العمل؟
على ممثلي إقليم كوردستان المتجسدين في القوتين الرئيسيتين، تعزيز هذه الممثلية وتوسيعها من أجل مشاركة الأطراف الأخرى وعدم غض الطرف عنها خدمة لوحدة الخطاب والموقف، وصياغة برنامج سياسي جديد للمشاركة في العملية السياسية المنبثقة عن الانتخابات التشريعية لأن هناك نوايا لتحجيم الكورد بذريعة استبدال المناصب الرئاسية في العراق بعد تلك الانتخابات.
كما يفترض وضع القضايا الوطنية والحقوق الدستورية والتمثيل الحكومي داخل الدولة، شرطاً للمشاركة. وعدم صهر قضايا الكورد في كوردستان العراق في بوتقة الرواتب.
وعلى الصعيد المحلي، يفترض البدء بحملة لإحداث تغييرات إدارية وتنفيذ إصلاحات سياسية بما يصب في خدمة مكانة وموقع الإقليم ومعيشة مواطنيه. لأن الروتين والرشوة عمقت عند المواطن اليأس وأفقدته الأمل، والحالة تكاد تتحول إلى ظاهرة. والأنكى من ذلك، أنها تتخذ ملبساً لإدعاء الوفاء والحرص على الآخرين.
لقد ظهر بعد ثلاثة أشهر من إيقاف صرف رواتب موظفي كوردستان، أن لغة الحوار والتوصل لاتفاق وطرح الوحدة والعمل المشترك هو المسار القويم. ومن الضروري جعل هذا الطرح انطلاقاً من داخل إقليم كوردستان، اساساً قبل أن تتحول لاحقاً إلى مشروع “كوردستان” للتعامل مع الحكومة العراقية حول سائر الملفات المتعلقة بإدارة الدولة. كي نتمكن من تنفيذ بقية المسؤوليات المرتبطة بالإصلاح الإداري ومد يد التعاون لإجزاء كوردستان الأخرى في المجالات السياسية وحماية الإقليم وجيراننا من نار الحروب والتوترات.
No Comment! Be the first one.