چاويار نيوز – كتب الباحث والمحاضر العراقي في جامعة برينستون الأمريكية، زيد العلي، في مقال، اليوم السبت، في صحيفة “ذا ناشيونال” الصادرة باللغة الإنجليزية في العاصمة الإماراتية أبو ظبي، أن العراق يشهد مع نهاية كل دورة برلمانية، انطلاق حملة انتخابية حافلة بالمزايدات الشعبوية التي تقوض السياسات العامة، والاقتصاد الوطني، ومظاهر الوحدة، ومع اقتراب الانتخابات، فقد بدأت الحكومة الاتحادية في بغداد وحكومة إقليم كوردستان في أربيل تبادل الاتهامات المعتادة لبعضهما البعض.
إن جهداً مستمراً منذ عامين لتسوية نزاع قائم بشأن إدارة موارد النفط والغاز، انهار خلال الأسابيع القليلة الماضية، وبعد أن أعلنت حكومة الإقليم أنها توصلت إلى إبرام عقود جديدة مع شركات دولية لزيادة إنتاج الغاز الطبيعي، رفضت بغداد هذه الاتفاقات، وردت بقطع التحويلات المالية إلى الإقليم، ما يعني عملياً أن الإقليم لن يكون قادراً على دفع رواتب موظفي القطاع العام، وهذه المرة الثالثة التي تقطع فيها بغداد التمويل عن الإقليم خلال السنوات العشرين الماضية.
إن الغالبية الساحقة من السياسيين في بغداد لا يتفقون مع قراءة إقليم كوردستان للمواد المحددة في دستور العام 2005 المتعلق بالموارد الطبيعية، في حين سعت حكومة الإقليم إلى بناء قطاع نفطي مستقل، رغم تأكيد بغداد على أن كل التعاقدات الدولية يجب أن يتم توقيعها من قبل وزارة النفط الاتحادية”، والخلافات تتضمن عدداً من القضايا الشائكة التي تحتاج إلى تسوية، من بينها كيفية التعامل مع الديون المتراكمة على الإقليم، وهي تمثل مشاكل فنية بالإمكان إيجاد حلول لها في حال توافر الاستعداد السياسي الكافي.
عندما بدأ النزاع في العام 2005، كانت موازين القوى تميل لصالح الإقليم، بسبب الحرب الاهلية والشلل الذي كانت تعاني منه بغداد، وتوفرت فرصة ذهبية أمام الإقليم للتوصل إلى اتفاق مناسب ومقبول لبغداد أيضاً، إلا إن الإقليم بالغ في مطالبه وسعى إلى ترتيبات لم تكن بغداد لتقبل بها على المدى الطويل.
وبعد مرور عقدين من الزمن، أصبحت بغداد أقوى اقتصادياً وعسكرياً من الإقليم”، وباتت أمام الحكومة الاتحادية فرصة حقيقية للتفاوض على اتفاق جديد يراعي مصالح الطرفين، إلا إنه بدلاً من ذلك، فإن الجانبين يبتعدان بخلافهما أكثر فأكثر.
وتعتمد بغداد على الاستثمار الأجنبي للمساعدة في إعادة إعمار البنية التحتية الأساسية، وسواء أعجبتها الفكرة أم لا، فإن الإقليم لا يزال يتمتع بنفوذ دولي، والتوصل إلى تسوية ناجحة لقضية إدارة الموارد الطبيعية، سيساهم في تحقيق أهداف بغداد الاقتصادية، حتى في ميادين لا علاقة مباشرة لها بالإقليم.
إن الموقف الاميركي إزاء هذه المسألة، تميز دائماً بالثبات حتى خلال الإدارات المتعاقبة، وصرح وزير الخارجية الحالي ماركو روبيو مؤخراً أن الحكم الذاتي الكوردي هو “محور سياستنا في العراق”، وأن جزءاً من هذه السياسة يتمثل في منح الكورد “شريان الحياة الاقتصادي الذي يمكنهم من الازدهار والنجاح”.
يجب عدم التقليل من صعوبة التوصل إلى حل، ومن أجل أن يكون الاتفاق مستداماً، فإنه يتحتم أن يقوم على تفاهم سياسي شامل بشأن معنى الفيدرالية ومبادئها الأساسية، في حين أن الفيدرالية لا تزال غير محددة بوضوح، ولا وجود لإجماع على وظيفتها أو آلياتها. على بغداد الدخول في حوار جاد ومتواصل مع الإقليم لتعريف الفيدرالية ومبادئها، وذلك يتطلب الإقرار بأن الفيدرالية يجب أن تقوم على التضامن بين الشعوب والمناطق، لا على الشك والمزايدات.
وفي حال تم القبول بهذا المبدأ البسيط، فإنه يجب على الحكومة الاتحادية بأيّ حال من الأحوال أن لا تعمد إلى قطع التحويلات المالية عن الإقليم أو أي جزء آخر من البلد، لأن شيئاً كهذا هو بمثابة عقاب للسكان المحليين في الإقليم بسبب نزاع سياسي لا سيطرة لهم عليه، ويخلق معاناة فورية لمواطنين من حقهم أن يتمتعوا بحياة كريمة أسوة بباقي العراقيين.
لدى بغداد هواجس مشروعة في نزاعها مع الإقليم، إلا إنها يجب أن تجد وسائل أخرى لممارسة الضغط، ولا سيما أن بغداد كانت تظهر التحفظ في استثمار علاقتها بالإقليم بسبب شكوكها بمحاولة انفصاله وهو تخوف يجب معالجته إذا كان الهدف هو التوصل إلى اتفاق دائم. من غير الواقعي توقّع حدوث تقدم قبل الانتخابات البرلمانية المقبلة، ومن أجل التوصل إلى حل فعلي، فإنه على كل الاطراف أن تتمتع بالنية الصادقة والانفتاح، وأن تقيم الحوار على أسس سليمة.
No Comment! Be the first one.