چاويار نيوز – مضى نحو عام على إجراء انتخابات برلمان إقليم كوردستان العراق ولم تنجح القوى السياسية في تشكيل الحكومة، ليؤشر الإقليم انتقال حمى عسرة تشكيل الحكومات إليه والتي كانت ولا زالت يواجهها المركز عقب كل انتخابات برلمانية.
ولا توجد لغاية اللحظة أي مؤشرات على قرب تشكيل حكومة الإقليم، فالحزبان الكورديان الرئيسيان لم يتوصلا إلى اتفاق ينهي حالة الخلاف المستمرة منذ سنوات، كما أن تكرار الخلافات والمشاكل بين أربيل وبغداد شتت تركيز الحزبين للتفاوض والوصول إلى تفاهمات تفضي لإعلان الكابينة الوزارية.
وجرت انتخابات برلمان الإقليم في محافظات كوردستان الأربعة (أربيل ودهوك والسليمانية وحلبجة) في 20 تشرين الأول/ أكتوبر من العام الماضي، وأسفرت نتائجها عن فوز الحزب الديمقراطي الكوردستاني بزعامة مسعود بارزاني، بـ 39 مقعداً من مجموع مقاعد البرلمان البالغة 100 مقعد، إلى جانب 3 مقاعد خاصة بالأقليات فازت بها الجهات القريبة من الديمقراطي.
كما فاز الاتحاد الوطني بزعامة بافل طالباني بـ 23 مقعدا، إلى جانب مقعدين مخصصين للأقليات، فازت بها جهات مقربة من الاتحاد، في حين حقق حراك الجيل الجديد الذي تبنى خيار المعارضة 15 مقعداً، أما حزب الاتحاد الإسلامي فحصل على 7 مقاعد، ثم تيار الموقف الوطني الذي فاز بـ 4 مقاعد، وجماعة العدل بـ 3 مقاعد، ومقعدان لحزب جبهة الشعب بقيادة لاهور شيخ جنكي، الذي اعتُقِل مؤخراً بتهم الإخلال بالأمن العام وإثارة الفوضى، ومقعد واحد لكل من حركة التغيير والحزب الاشتراكي.
وأخفق برلمان الإقليم لأكثر من مرة في جمع النصاب القانوني للأعضاء الجدد، وتحديداً في الجلسات التي كان يتوقع منها فتح باب النقاش حول تشكيل الحكومة الجديدة، وواجهت الكتل الفائزة في البرلمان شرط الغالبية (النصف زائد واحد) أي 50 نائباً زائداً واحد لتشكيل الحكومة، وهو ما لم تحصل عليه أي من قوى الإقليم وأحزابه.
وتؤكد مصادر سياسية من داخل إقليم كوردستان أن الخلافات بشأن تقاسم المناصب بين الحزبين الرئيسيين هو السبب الرئيس في عرقلة تشكيل الحكومة لغاية الآن، مرجحة تأجيل حسم ملف تشكيل حكومة الإقليم لما بعد الانتخابات البرلمانية العراقية وتشكيل الحكومة المقبلة في بغداد.
ونقلت وسائل إعلام عربية عن مصادر في الإقليم قولها إن “فشل التوصل إلى اتفاق بشأن تشكيل حكومة الإقليم حصل بسبب تعنت الطرفين الأكبر سياسياً وانتخابياً (الديمقراطي والاتحاد الوطني) بمطالبهما بشأن توزيع المناصب”، مضيفة أن “الاتحاد الوطني طالب بأن يمنح نصف التشكيلة الوزارية، والحصول على منصب رئاسة الإقليم ووزارة الداخلية ونصف التشكيلات العسكرية ومجلس القضاء في الإقليم، إلا أن جميع هذه المطالب رفضها الحزب الديمقراطي.”
وأشارت المصادر إلى “تأجيل البحث في تشكيل الحكومة إلى ما بعد المشاركة في الانتخابات التشريعية في العراق المقرر إجراؤها في تشرين الثاني/ نوفمبر المقبل، وتوزيع الوزارات ببغداد بين الحزبين الكورديين ثم الاتجاه إلى تشكيل حكومة الإقليم”، مبينة أن “تشكيل الحكومة المقبلة في بغداد، وتوزيع المناصب على الحزبين سيسهل من عملية تشكيل حكومة الإقليم، لا سيما وأن الحزب الديمقراطي يريد أن يبقى الاتحاد الوطني حاصلاً على امتيازاته في بغداد، ومن ضمنها منصب رئيس الجمهورية كي يبقى تشكيل الحكومة في أربيل لصالح الحزب الديمقراطي.”
لكن عضو الحزب الديمقراطي الكوردستاني صبحي المندلاوي، يرجح أن تبدأ الخطوات الفعلية لتشكيل حكومة الإقليم شهر أيلول/ سبتمبر الجاري وذلك بعد اتفاق الطرفين (الديمقراطي والاتحاد) على ذلك في آخر اجتماع عقد بينهما لتجاوز مشكلة تأخر تشكيل الحكومة.
وقال المندلاوي، في حديث لشبكة “الساعة” الإخبارية، إن “نتائج انتخابات الإقليم والواقع الأمني والجغرافي والعسكري والإداري وكذلك التطورات التي شهدتها المنطقة من الحرب في غزة والأحداث في سوريا والحرب بين إيران وإسرائيل كل ذلك مثل عوامل تسبب بتأجيل تشكيل حكومة الإقليم.”
وأضاف أن “السبب الرئيسي لتأجيل تشكيل الحكومة والاتفاق على الكابينة الوزارية العاشرة، يرجع إلى الخلاف بين الاتحاد الوطني والديمقراطي الكوردستاني لا سيما بعد إصرار الاتحاد على أن تكون الوزارات الأمنية من حصته”، مؤكداً أن “التأخير جاء أيضاً بسبب تأخر الاتفاق بين الجانبين على البرنامج الحكومي والذي كان لا بد من حسمه في فترات سابقة.”
وكشف المندلاوي عن “توصل الديمقراطي والاتحاد خلال الاجتماع الأخير الذي عقد بين المكتبين السياسيين للجانبين إلى اتفاق ببدء جلسة البرلمان في هذا الشهر لتكون الجلسة بمثابة الاتفاق على تشكيل الحكومة”، مرجحاً “عقد هذه الجلسة في موعدها هذا الشهر واختيار رئيس البرلمان ونائبيه ومن ثم البدء بتشكيل الحكومة خاصة وأن هناك إرادة من الجانبين لإنهاء هذا الملف والمضي معاً نحو مراحل أخرى مقبلة.”
في المقابل، يؤكد الاتحاد الوطني ضرورة عودة الشراكة الحقيقية في إدارة إقليم كوردستان وليس المشاركة فقط في الحكومة المقبلة، وهو ما كان العائق الرئيس وراء تأخر تشكيل الحكومة الأخيرة.
وقال عضو الاتحاد أحمد الهركي، في حديث للشبكة، إن “تأخر تشكيل حكومة إقليم كوردستان يرجع لعدة أسباب في مقدمتها علاقات الديمقراطي والاتحاد التي مرت وما تزال في حالة من المد والجزر، فضلاً عن إصرار الاتحاد على تحقيق المشاركة الحقيقية في إدارة الإقليم والحكومة المقبلة وأن لا تكون المشاركة شكلية فقط.”
وبين أن “تأخر تشكيل حكومة الإقليم حالة سلبية في عموم العملية السياسية في العراق انتقلت إلى الإقليم من بغداد التي تواجه مشكلة تأخر تشكيلات الحكومات عقب كل انتخابات، وخير دليل على ذلك أن حكومة السوداني الحالية تشكلت بعد عام من إجراء الانتخابات البرلمانية لعام 2021.”
وأكد الهركي “ضرورة الوصول إلى رؤية كوردية مشتركة والتي غابت منذ العام 2017 وتسببت بتراجع الدور الكوردي في العملية السياسية العراقية بعد أن كانت لاعبة الدور الأبرز وبيضة القبان في تشكيل الحكومات العراقية المتعاقبة”، لافتاً إلى أن “الاتحاد يبحث عن الشراكة الحقيقية وتوحيد الرؤية الكوردية نحو مستقبل العمل السياسي في عموم العراق وكذلك تحقيق التوازنات خاصة وأن نتائج الانتخابات كانت متوازنة”، مشدداً على “ضرورة أن ينعكس هذا التوازن بفاعلية على المشهد السياسي في الإقليم.”
ووفقاً للنظام الداخلي لبرلمان إقليم كوردستان، يتعين على رئيس الإقليم دعوة البرلمان المنتخب إلى عقد جلسته الأولى خلال 10 أيام من المصادقة على نتائج الانتخابات، وإذا لم يدع الرئيس إلى عقد الجلسة الأولى يحق للبرلمانيين عقدها في اليوم الحادي عشر للمصادقة على النتائج، فيما يترأس العضو الأكبر سناً جلسات البرلمان قبل انتخاب الرئيس الدائم بعد تأدية القسم الدستوري.
وشهد برلمان الإقليم بدورته الحالية انعقاد جلسته الأولى في مطلع كانون الأول/ ديسمبر 2024، والتي تضمنت تأدية اليمين القانونية لأعضائه، وإبقاء الجلسة مفتوحة بسبب عدم حسم المناصب الرئيسة في الإقليم.
ومن الزاوية القانونية لتأخر تشكيل حكومة الإقليم، يوضح الخبير القانوني بكر شيرزاد، أنه لا يوجد دستور في إقليم كوردستان تستند عليه رئاسة الإقليم في دعوتها لعقد الجلسات، أو حل البرلمان، في حال ارتكب مخالفات كبيرة.
وأشار شيرزاد إلى أن “النظام الداخلي لبرلمان كوردستان تحدث عن عقد الجلسة الأولى لأداء اليمين القانونية بعد 10 أيام من إعلان نتائج الانتخابات، وهذا حصل فعلاً، لكن النظام لم يشر إلى قضية إبقاء الجلسة الأولى مفتوحة.”
وتابع أن “هذا الأمر طبق أيضاً في أيام تشكيل الحكومة العراقية التي تأخرت لأشهر عديدة، ولم يصدر قرار بحل البرلمان من المحكمة الاتحادية، ولهذا ما يسري على البرلمان العراقي، يسري على برلمان كوردستان”، مبيناً أن “هناك مخالفات كبيرة وخروقات قانونية فعلاً، ولكن في المشهد السياسي في العراق وإقليم كوردستان اعتدنا على الأمر، بعدم احترام إرادة الناخب، وعدم الالتزام بالمعايير القانونية والديمقراطية”، حسب تعبيره.
No Comment! Be the first one.