چاويار نيوز – بينما تتسارع الخطوات الدولية نحو إعادة ترتيب المشهد السوري، تقف دمشق على مفترق طرق حرج، فمع إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترامب رفع العقوبات عن سوريا، تلاه دعم أميركي واضح لخطة الحكومة السورية بإدماج آلاف المقاتلين الأجانب في صفوف الجيش، تتسابق القوى الدولية والإقليمية لترك بصمتها في مستقبل البلاد.
وفيما تحتفي بعض الأوساط الرسمية بما تسميه “خطوات إلى الأمام”، تتوالى التحذيرات من زجّ سوريا في تجربة قد تكون محفوفة بالمخاطر، خاصة حين يتعلق الأمر بإعادة تأهيل عناصر تحمل ماضياً متشددا غامضا.
في مداخلته عبر “غرفة الأخبار” على “سكاي نيوز عربية”، عبّر المحامي والناشط السياسي زيد العظم عن مخاوفه من مشروع إدماج المقاتلين الأجانب، معتبرا أنه “ليس من مصلحة السوريين إدخال آلاف المقاتلين التكفيريين إلى عمق الدولة”، مؤكداً أن معظم هؤلاء لا يحملون أجندة وطنية، بل يتبنون أيديولوجيا متطرفة.
العظم رأى أن ما يحدث اليوم في سوريا يُعيد إلى الأذهان العقيدة الجيوسياسية التي تبناها بريجنسكي في الثمانينيات حين استخدمت الولايات المتحدة “الجهاد الإسلامي” لمواجهة السوفييت في أفغانستان، قائلاً: “واشنطن تعود إلى أدواتها القديمة، لتدريب متشددين على الأرض السورية ثم إعادة توظيفهم”.
العظم لم يخفِ استغرابه من التناقض في المواقف الأوروبية والأميركية، مشيراً إلى أن “الاتحاد الأوروبي ينظر إلى هؤلاء كتهديد مباشر، خاصة وأن الساحل السوري قد يتحول إلى نقطة انطلاق جديدة نحو أوروبا”.
واستند في ذلك إلى تصريحات الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، الذي تحدث عن “الخطر الداهم الذي قد يشكله المتطرفون العائدون من سوريا”.
وأضاف أن إدماج مقاتلين من تنظيمات سبق أن اتهمت بارتكاب مجازر في الساحل السوري هو “إدخال لحصان طروادة إلى الجيش السوري”، في إشارة إلى احتمال تكرار سيناريوهات الفوضى المسلحة والانتهاكات التي شهدتها البلاد خلال السنوات الماضية.
وفي معرض حديثه، ذكر العظم بأن رئيس المرحلة الانتقالية أحمد الشرع نفسه اعترف بـ”تطرف” بعض العناصر الذين يتم إدماجهم، قائلاً: “لقد أدخلنا هؤلاء إلى الجيش لأننا نخشى أن ينشقوا وينضموا إلى داعش”، وهو ما اعتبره العظم تأكيدا رسميا على المخاطر الأمنية الكامنة في هذا القرار.
كما انتقد العظم استبعاد آلاف الضباط السوريين المنشقين المؤهلين مهنيا، في مقابل تبني عناصر أجنبية مثيرة للجدل: “كيف نقصي ضباطاً وطنيين ونفتح الأبواب للأويغور؟ هذا ليس إصلاحاً بل مغامرة خطرة”.
في المقابل، حمل الكاتب والباحث السياسي حسن الدغيم، وجهة نظر مغايرة، مدافعا عن خيار إدماج المقاتلين الأجانب باعتباره “امتدادا لتجربة سورية قديمة تستوعب التنوع والاختلاف”.
وقال: “ليس جديدا على سوريا أن تستضيف المقاتلين والمهاجرين؛ هذا بلد دافع فيه الشركس والأكراد والتركمان عن أرضه، ولا يمكن وصم كل مقاتل أجنبي بالإرهاب”.
الدغيم أشار إلى أن المقاتلين التركستان والأوزبك، الذين يتم اليوم الحديث عن إدماجهم، “كانوا رأس حربة في محاربة داعش منذ 2014 وحتى 2018″، واصفا إياهم بأنهم “غاية في الانضباط والالتزام”، واستنكر تصنيفهم التلقائي كمتطرفين لمجرد خلفيتهم الدينية.
وعاد الدغيم إلى أمثلة تاريخية من الجيوش العالمية لدعم حجته، قائلا: “نصف الجيش الأميركي من المهاجرين، وفي الجيش الفرنسي توجد فرق أجنبية قاتلت في حروب فرنسا، فلماذا يُستكثر على سوريا أن تفعل المثل؟”
ورأى أن المطلوب ليس الإقصاء بل “إطار قانوني وتشريعي لإعادة تأهيل من قاتلوا إلى جانب الشعب السوري”، لا سيما بعد سنوات من الانخراط في الأرض السورية وزواجهم من السوريات وإنجابهم أطفالا يعتبرون اليوم جزءًا من النسيج المجتمعي المحلي.
كما أوضح أن عملية إعادة الهيكلة الجارية في الجيش السوري حالياً تخضع لرقابة مدنية ومؤسسية، وقد تم الإعلان مؤخرا عن استكمال الهيكلة وفقا للقانون الدولي.
بين المخاوف الأمنية والطموحات السياسية
ما بين مقاربة زيد العظم التي تركز على الجانب الأمني والمخاطر العقائدية، ورؤية حسن الدغيم التي تعوّل على التجربة الوطنية والموروث التاريخي لسوريا كبلد متنوع، تتكشف أبعاد الصراع الحقيقي حول هوية الدولة السورية الوليدة ومكانة القوى المسلحة فيها.
وفي ظل تراجع الحضور العسكري الأميركي شرق سوريا، تبرز خطط الإدماج كجزء من محاولة لإعادة بناء هيكلية أمنية سورية جديدة، لكنّ طبيعة العناصر المُدمجة، وخلفياتهم، وارتباطاتهم السابقة، تظل موضع شك وتساؤل داخلي ودولي.
ولا تخلو هذه السياسات من تعقيدات على مستوى العلاقة مع الاتحاد الأوروبي، الذي أبدى امتعاضه الواضح مما يجري، خاصة في ظل هواجس تتعلق بالأمن القومي الأوروبي.
كما أن الملفات العالقة بشأن حقوق الأقليات، وشكل الدولة القادمة (مركزية أم لا مركزية)، تزيد من تعقيد المشهد وتحدّ من فاعلية أي خطة إصلاحية ما لم تُقرَن بخطوات سياسية وتشريعية حقيقية.
بين التحدي والفرصة.. سوريا في ميزان التاريخ
تمضي الحكومة السورية في خطواتها السياسية والعسكرية، مدفوعة بمباركة أميركية مشروطة وتوجس أوروبي متزايد. لكنّ السؤال المركزي يبقى: هل تسير دمشق فعلا نحو الأمام، أم أنها تعيد إنتاج أزماتها بأدوات جديدة؟.
في ضوء تضارب الرؤى بين من يرى في إدماج المقاتلين الأجانب خطوة نحو المصالحة وإعادة البناء، ومن يخشى تحوّلها إلى أداة لتفجير ما تبقى من مؤسسات الدولة، تبقى سوريا أمام لحظة اختبار كبرى.
فإما أن تُعيد ترتيب بيتها الداخلي على أسس مدنية ومؤسساتية راسخة، أو أن تنزلق مجددًا في فوضى لا تُبقي ولا تذر. يبقى الأمل معقودًا على أن تتحول خطوات دمشق إلى الأمام، لا إلى ألغام كامنة قد تنفجر لاحقًا في جسد الوطن المنهك.
No Comment! Be the first one.