چاويار نيوز – تشهد حقول النفط في إقليم كوردستان شمالي العراق مرحلة حساسة بعد سلسلة الهجمات بالطائرات المسيّرة التي استهدفت منشآت حيوية خلال يوليو/تموز 2025، وأدت إلى توقف جزئي في الإنتاج وتعليق عدد من الشركات الأجنبية أعمالها مؤقتاً لحين التأكد من سلامة مواقعها.
وتشير بيانات القطاع إلى أن إنتاج إقليم كوردستان كان قبل الهجمات يقدَّر بنحو 280 إلى 300 ألف برميل يومياً، قبل أن يتراجع بحدة إلى أدنى مستوى عند 81 ألف برميل يومياً، ثم يتعافى تدريجياً ليستقر عند حدود 120 ألف برميل يومياً. هذه التطورات انعكست على استقرار السوق المحلية وعائدات الإقليم المالية، وسط مخاوف من استمرار الشركات الأجنبية في تعليق عملياتها إذا تصاعدت المخاطر الأمنية.
في المقابل، أعلنت حكومة إقليم كوردستان عن اتخاذ إجراءات عاجلة لتعزيز حماية الحقول والمنشآت، شملت نشر قوات إضافية في محيط الحقول، وتفعيل أنظمة مراقبة وتحذير مبكر، مع تأكيد التزامها بحماية الاستثمارات وضمان استمرارية الإنتاج باعتباره شريان الاقتصاد المحلي.
وأعلنت شركة “DNO ASA” النرويجية تعليق أعمالها في حقلي تاوكه وبيشكابير في منطقة زاخو قرب الحدود التركية، عقب وقوع ثلاثة انفجارات في مرافق الحقل بتاريخ 16 يوليو، وأكدت أنها ستستأنف الإنتاج فور تأمين المواقع. كما أوقفت شركة “Gulf Keystone Petroleum” البريطانية إنتاجها بحقل شيخان شمال غرب أربيل في إجراء احترازي، رغم عدم تعرض المنشآت لأضرار مباشرة، بعد ورود تقارير عن انفجارات في محيط الحقل.
وفي السياق ذاته، علّقت شركة “HKN Energy” الأميركية عملياتها في حقل سرسنك بمحافظة دهوك بعد انفجار ناجم عن هجوم بطائرة مسيرة تسبب في اندلاع حريق، فيما أوقفت شركة “Hunt Oil” الأميركية أيضاً أعمالها في حقل عين سفني بالمحافظة نفسها لتقييم الأضرار وضمان سلامة فرقها العاملة.
وكشف مصدر مسؤول في حكومة إقليم كوردستان، طلب عدم ذكر اسمه، أن الحكومة تعمل على تعزيز الانتشار الأمني وتحديث منظومات المراقبة والتواصل المباشر مع الشركات الأجنبية لضمان استمرار الإنتاج بأعلى مستوى ممكن مع الحفاظ على سلامة العاملين والمنشآت.
وأوضح المصدر، في حديث لموقع “العربي الجديد” الإخباري، أنه رغم تنفيذ أكثر من 22 هجوماً بطائرات مسيّرة في مناطق متفرقة من الإقليم، فإن اللجنة العليا المكلّفة بالتحقيق لم تقدّم تقريرها النهائي إلى رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني حتى الآن.
وأضاف أن الإقليم يستعد لتسليم الكميات الجاهزة من النفط الخام المنتَج من الشركات الأجنبية التي عادت تدريجياً للعمل في الإقليم إلى شركة تسويق النفط العراقية (سومو) لتصديرها عبر ميناء جيهان التركي، مؤكداً أن هذه الخطوة تعكس التزام حكومة الإقليم بالتفاهم المشترك مع الحكومة الاتحادية لتنظيم ملف التصدير وحماية الاستثمارات النفطية.
وأشار إلى أن الإقليم سيتحمّل مسؤولية تعويض الشركات عن الكميات المخصصة للاستهلاك المحلي، فيما تتولى شركة سومو عملية التسويق الخارجي، مطالباً الحكومة الاتحادية بالإيفاء بالتزاماتها وصرف رواتب موظفي الإقليم عن شهري يونيو/حزيران ويوليو/تموز 2025 أسوة بباقي المحافظات.
وأفاد المصدر، بأن الإقليم ملتزم بتسليم الإيرادات النفطية وغير النفطية وفق الآلية المتفق عليها مسبقاً، مجدداً حرص حكومة الإقليم على إنجاح التفاهمات الثنائية مع بغداد باعتبارها الإطار الرسمي لتنظيم الملفات المشتركة وفي مقدمتها ملف النفط والرواتب.
من جانبه، قال الخبير في مجال الطاقة كوفند شيرواني، في تصريح لـ”العربي الجديد”، إن الحقول النفطية في إقليم كوردستان بدأت بالتعافي تدريجياً بعد الهجمات الأخيرة بالطائرات المسيّرة، موضحاً أن بعض الحقول توقفت مؤقتاً حفاظاً على سلامة العاملين فيها.
وأشار شيرواني، إلى أن التوقف الكبير عن الإنتاج الذي شهده الإقليم امتد لنحو سنتين وخمسة أشهر بسبب توقف تصدير نفط الإقليم، ما دفع الشركات إلى اتباع إجراءات تقنين للإنتاج، لافتاً إلى أن هذه الحقول تحتاج الآن لبعض الوقت لمعالجتها وإعادة تأهيلها حتى تعود إلى معدلاتها الطبيعية.
وأكد أن مسؤولية حماية الأجواء العراقية من أي خروقات أو هجمات بالطائرات المسيّرة تقع على الحكومة الاتحادية في بغداد، ممثلة بوزارتي الدفاع والداخلية، كونها الجهة التي تمتلك الوسائل التقنية لمتابعة ورصد هذا النوع من الهجمات، مع استمرار التنسيق الأمني بين سلطات الإقليم وبغداد.
وبيّن أن الحكومة الاتحادية كانت قد أعلنت سابقاً عن تشكيل لجنة تحقيق باشرت أعمالها في أربيل وحددت نوعية الطائرات ومراكز إطلاقها، لكنها لم تكشف حتى الآن عن الجهات التي تقف خلفها أو تتخذ إجراءات رادعة بحقها.
بدوره، أوضح الخبير الاقتصادي محمد العزيري، أن عودة الشركات الأجنبية العاملة في حقول نفط إقليم كوردستان تمثل خطوة محورية لإحياء الاقتصاد المحلي وتعزيز الإيرادات النفطية للعراق، مبيناً أن هذه الشركات تمتلك خبرات تقنية عالية قادرة على رفع كفاءة الإنتاج وتسريع عمليات إعادة التأهيل بعد التوقفات الأخيرة التي أعقبت الهجمات بالطائرات المسيّرة.
وأفاد العزيري، في حديث لـ”العربي الجديد”، بأن عودة الشركات بكامل طاقتها يمكن أن ترفع الإنتاج مجدداً إلى المستويات السابقة وربما إلى 350 ألف برميل يومياً خلال استئناف تصدير النفط عبر ميناء جيهان التركي، وفقاً لسياقات الاتفاق العراقي التركي.
وأكد أن التنسيق بين حكومة الإقليم وبغداد في تصدير النفط عبر ميناء جيهان تحت إشراف شركة “سومو” سيسهم في تحقيق استقرار مالي أكبر، ويعزز ثقة الشركات العالمية بالاستثمار في العراق، كما يساعد في تعويض جزء من الخسائر التي خلفها توقف التصدير لأكثر من عامين.
No Comment! Be the first one.